خرج جمال من بيته وهو شارد الذهن عابس الوجه وهو يفكر في متطلبات عائلته الصغيرة التي تسكن بيتا متواضعا لكنه يعاني من البطالة التي يعاني منها أغلب شباب المدينة ..ولكن كيف سيشتري اللوازم المدرسية التي أوصته ابنته الصغيرة من أين له بالنقود التي سيشتري بها الدواء لابنه المريض ...وقف قليلا ماذا عساه يعمل ..ثم تابع سيره وهو يقول في نفسه : سيفرجها الله ..وتمنى أن يجد عملا يعيل به عائلته الصغيرة التي تركها تنتظر عودته في المساء...ولكن ما لعمل وقد استدان حتى أثقل الدين كاهله..ماذا سيعمل ؟ خاصة وأن ليس له شهادة علمية...فكر قليلا ثم تذكر أن لديه رخصة سياقة الشاحنات فلماذا لا يعمل في إحدى الشركات أو عند أحد المقاولات في سياقة الشاحنات
وصل جمال أمام باب أحد الشركات المتخصصة في الاستيراد والتصدير وأخبر الحارس أنه يريد لقاء المدير فأدخله إلى قاعة الانتظار ...جلس جمال على الكرسي ينتظر مقابلة المدير وبدأ يجول ببصره في هذه القاعة الفاخرة التي يبدو أن صاحب هذه الشركة من أغنى الأغنياء ..كل شيء باهظ الثمن ..من أثاث ومفروشات وأجهزة الكترونية ...وهو يدعو الله بأن يوفقه في طلبه بأن يجد وضيفة في هذه الشركة ..وبينما هو في تفكيره وإذ بالحاجب يناديه للدخول إلى مكتب المدير ..فأسرع جمال بالدخول إلى المكتب..وما إن دخل حتى انبهر بما رآه من فخامة هذا المكتب...وكأنه كان في عالم ودخل عالما آخر ..وكأنه خرج من الدنيا ودخل الجنة...فتلعثم لسانه ..وعجزت رجلاه عن حمله ...كل شيء مبهر في هذا المكان ..فأحس بالخوف ولم يشعر إلا بالمدير وهو يدعوه بالجلوس على الأريكة المقابلة له...جلس جمال وهو يرتعش ..فسأله المدير عن حاجته .فأخبره جمال بأنه يبحث عن عمل..فسأله المدير عن تخصصه وشهادته المدرسية فتلعثم جمال وقال: ليس لي شهادة يا سيدي ولكن عندي رخصة لسياقة الشاحنات ..فكر المدير قليلا ثم قال لجمال : حسنا لقد قبلنا طلبك وأعطاه مبلغا من المال كأجر مسبق فلم يترك جمال عبارة شكر إلا وشكر بها هذا المدير السخي الذي أعطاه أجره قبل أن يبدأ عمله بل حتى قبل أن يسوي وثائقه ..وخرج من المكتب والدنيا لا تكاد تسعه من الفرحة فهاهو خيط الأمل قد لاح من بعيد هاهو الفرج قد أتى بعد الشدة ..وأسرع إلى الصيدلي واشترى لابنه الدواء ثم توجه نحو المكتبة واشترى أدوات مدرسية لابنته وتوجه نحو محل لبيع الملابس واشترى ملابس جديدة لأولاده للدخول المدرسي وتوجه نحو بيته ليدخل البهجة على قلوب أولاده الذين لم يروا البهجة في حياتهم بسبب هذا الفقر اللعين الذي لاحقه طيلة حياته ولم يفارقه لحضة...دخل جمال إلى بيته وهو محمل بما يفرح أطفاله ..ولم تسعه الفرحة وهو يشاهد أولاده يحسون بالسعادة وهم يلبسون ثيابا جديدة ويرتبون أدواتهم للدخول المدرسي...وبدأ للدعاء لهذا المدير وأحس بأن الدنيا مازال فيها أناس طيبون كما فيها أناس أشرار
حمل جمال وثائقه وتوجه نحو الشركة لبداية عمله في سياقة الشاحنات ...وما إن سلم وثائقه للمدير حتى أمره ببداية العمل ..ذهب جمال نحو الحظيرة وتسلم الشاحنة الموكل إليه قيادتها وبدأ في العمل ..وكان جل عمله في إيصال السلع إلى الميناء وجلب السلع القادمة من الضفة الأخرى نحو الشركة ...أما عن الأجر الذي كان يتلقاه فكان مضاعفا..وكان لا يدري لماذا يتلقى هذا الراتب الكبير ولكنه لم يكن يسأل عن ذلك ..فبنا لأهله مسكنا لائقا واشترى سيارة بعد أن سدد كل ديونه.
بينما جمال يقود الشاحنة متوجها نحو الميناء أوقفه حاجز أمني للجيش طلب منه وثائق الشاحنة ووثائق الحاوية التي يحملها فأعطاه ما طلبه ثم أمره بفتح أقفال الحاوية للتأكد والتفتيش ..ففتح جمال الحاوية وبدأت الشرطة في التفتيش لتعثر على كمية معتبرة من المخدرات مغلفة بإحكام في وسط الحاوية فألقي القبض على جمال وزج به في السجن للتحقيق في هذه القضية ..فأخبرهم جمال عن صاحب الشركة وأن مهمته نقل السلع ولا يعلم عن المحتويات وأن مهمته القيادة فقط ...فاستدعي مدير الشركة لمقابلة جمال فأنكر كل صلة له بالقضية وثبت أن وثائق الشاحنة مزورة ..فخرج المدير من القضية مثل الشعرة من العجين وألقيت كل القضية على عاتق جمال ليحكم عليه بعشرين سنة سجنا كما عوض مدير الشركة على كل أتعابه وإزعاجه .
جلس جمال في زنزانته الباردة مفكرا ودموعه تسيل على وجهه..لهذا كان المدير يعطيه كل هذا الأجر الكبير ..ضن أن المدير طيب وكريم ولكنه كان ذئبا مخادع ..فكر في عائلته في أولاده من سيتكفل بهم في هذه الفترة ..وفجأة لمعت عيناه مثل أسد جائع يتهدد الخطر أولاده ..وقال في نفسه يبرؤون المجرم ويزجون بالبريء في السجن سنرى وبدأ يتحين الفرصة للهروب من السجن الذي قضى فيه سنتين من العقوبة في زنزانة انفرادية لا يسمح لأحد بزيارته فتغير شكله ونقص وزنه وتبدلت ملامح وجهه حتى أصبح لا يعرف .
وذات مرة باغت الشرطي الذي كان يحرسه وضربه على رأسه حتى أغمي عليه ونزع منه مسدسه وعالج أقفال أحد النوافذ الخلفية ففتحها ولاذ بالفرار بدون أن يراه أحد وتوجه نحو بيته متخفيا فطرق الباب ففتحت ابنته فلم تعرفه لولا أن عرفها بنفسه فاحتضنها وهو يبكي فسألها عن أمها فأخبرته أنها توفيت بسكتة قلبية بعد اعتقاله فزاد حزنه وحقده وسألها عن أخيها فأخبرته أنه توقف عن الدراسة وهو يعمل ليعيلهم فبكى على حال عائلته والحالة التي آلت إليها ...واشتعلت في عينيه نار الانتقام ممن كان السبب في شقائه وشقاء عائلته
غير جمال ثيابه وتلثم حتى لا يعرف فهو مبحوث عنه فلا بد أن يحذر حتى ينفذ ما عزم عليه ..وتوجه نحو الشركة التي كان يعمل فيها ..وأخبر الحارس أنه يبحث عن عمل فأدخله إلى مكتب المدير الفاخر ...وتذكر جمال أيام بحثه عن عمل في تلك الأيام وكيف قابله المدير وسخاوة نفسه في ذلك الوقت فلم يشعر إلى وهو وجه لوجه مع المدير وجلس على الأريكة فسأله المدير عن حاجته فأخبره أنه يبحث عن عمل فسأله عن مؤهلاته فأجاب بأن ليس له مؤهلات فقال له المدير: وماذا تتقن إذا؟ فأجابه جمال بعد أن قام من مكانه أتقن بيع المخدرات يا كلب وأخرج مسدسه وصوبه نحو المدير الذي بدأ يترجى جمال بعد أن عرفه ..وبدأ يتنصل من قضيته ويوكلها لعماله وبدأ يدخل يده في أحد طوابق المكتب ليلتقط مسدسه ولكن جمال لم يمهله فأطلق عليه عدة رصاصات ويرديه قتيلا
ألقي القبض على جمال بعد أن نفذ جريمته ويحكم عليه بالإعدام لتنتهي بقية حياته بعد أن انتقم لعائلته من هذا المدير الذي دمرها وشردها فلم يكن له من حل في دولة يحكمها المال غير الانتقام .
الإثنين 12 يناير 2009, 09:10